محمد فؤاد يكتب.. مشروع البرلمان الأوروبي و قراءة في حوار الطرشان


تابعت صدى مشروع قانون البرلمان الأوروبي، بشأن حالة حقوق الإنسان في مصر، والذي تضمن إدانة للوضع المصري وتهديد بالعقوبات واشارة إلى تدهور هذا الملف في قضايا معينة، وذلك لدى الأوساط السياسية والإعلامية داخل الدولة.
لا خلاف حول ما يمثله مضمون هذا المشروع من تدخل مؤذي في الشأن الداخلي المصري، خاصة وأن المشروع لم يتضمن فقط إدانة ولكنه أقر عقوبات. ناهيك عن النبرة الحادة التي تضمنتها لغة المشروع والتي حاول بعض الأعضاء في البرلمان الأوروبي أثناء النقاش تخفيفها دون جدوى.
وحديثي هنا ليس من شأنه الدفاع عن موقف بعينه و لكنه تحليل لبعض ما جاء في البيان و ما تتبعه من لغة الرد التي حرصت عليها النخبة السياسية أو المؤسسات المعنية. وحتى نكون على صراحة من البداية ودون مجاملات، فالرد المصري هو تكرار لنفس ردود تاريخية كردود فبراير ٢٠٠٨ و أكتوبر ٢٠١٩ و غيرها من المرات التي وقفنا فيها موقف المتلقي من مثل هذا الحدث.
أعلم أن بين دوافع الرد، قد يكون حرص حقيقي من البعض في إثبات موقف داعم للدولة و هو أمر محمود بالطبع، ولكن هذه المواقف لا تستدعي خطب مشابهة للبيانات التي تصدر للتأييد و التهنئة. فالوضع مختلف تماما ولا يجدي معه هذا الروتين المعتاد و السيل المنهمر من بيانات بالعربية نخاطب بها بعضنا البعض بينما من اطلق السهم غير مخاطب بهذا المزاد. فلا يعدو ما يحدث سوي تباحث بين مخاطبين لا يفهم بعضُهم بعضًا أو ما يعرف بحوار الطرشان.
فقد سيطرت على مفردات الردود حالة من الشجب و تصدير نظرية المؤامرة، بل جاءت بعض المفردات مدهشة تماما كترديد البعض لعبارة تبدو عميقة و لكنها خالية من المنطق و هي ان "البرلمان الاوروبي يقوم بعملية تسييس واضح لملف الحريات". أفليس الملف الحقوقي مُنظم دستورا و تحكمه قوانين و تدور في فُلكه لجان برلمانية! و عليه فهو ملف سياسي بالطبع و ليس ملف تدبير منزلي...
لذلك دعونا نحلل ما تم بهدوء. فالبرلمان الأوربي أقر مشروع تمهيدي يدين الوضع الحقوقي في مصر، واستند فيه إلى مجموعة من الوقائع ووجهات النظر. و هي أمور يرونها مُحقة من وجهة نظرهم. البعض منها مثبت و بعضها يقبل الأخذ و العطاء. و يجب أن نتفهم أن لهجة الحدة و التصعيد أمر متوقع في ضوء ما تم في قضية الباحث الإيطالي جوليو ريجيني و هكذا الضغوط التي استتبعت توقيف ثلاثة أعضاء بمركز حقوقي شهير.
لذلك فالرد لا يكون سوى من خلال تفنيد دقيق لما جاء في المشروع من أحداث ووقائع تكشف للطرف الآخر الحقيقة. و هنا فمن المتاح في نظري التطرق الموضوعي حيث تضمن المشروع الأوروبي تفاصيل متعددة و ليس مجرد سجال كلامي يستأهل الرد عليه بمنطق الماذاعنية أو تبادل الإتهامات.
فعلى سبيل المثال و ليس الحصر نجد واقعة الراهب اشعياء المقاري و المتهم بقتل الانبا ابيفانوس في الواقعة التي تم الحكم فيها بالإعدام على وائل سعد (اشعياء المقاري)، والتي نقل فيها الجانب الأوروبي رواية عن القضية لا مصدر عنها سوى مقال بالواشنطن بوست، و هو مثال لأمر يمكن تفنيده بسهولة. و ذُكر المشروع ايضا عدد من المسجونين السياسيين بالاسم و يمكن جدا استيضاح حقيقة التهم الموجهة إليهم و التي بالقطع تمتلك فيها الدولة أدلة اتهام.
لكن النفي القاطع و الشجب العنيف لم يوقف الهجوم منذ سنين و لن يتغير الحال الآن. أي أننا في حاجة إلى تدبر جيد للوضع وفترة معقولة لتحديد آلية الرد بالتنسيق مع معنيين قادرين على فهم الموقف وتحديد الأسلوب الأمثل للتعامل، بشكل يعلي الموضوعية واستيضاح الحقائق دون عنتريات عفى عنها الزمن.
وحتى نكون على صراحة ولا ننفصل عن الواقع، فبعض مما أثاره البرلمان الأوروبي قد لامس امور يتحدث فيها المجتمع السياسي و الحقوقي. فبينما يجزم البعض بوجود إنجازات في حقوق الأنسان بأدلة واضحة، يتحدث البعض عن فرص سانحة لتحسين الأوضاع بشواهد و دلائل أخرى.
ما يحدث ليس غريبا علينا و ليس أخر المطاف بل هو إيذان بمزيد من التحركات المماثلة التي يجلبها التحول العالمي من حكم اليمين الشعبوي إلى حكم اليسار الوسطي. و لعل ذلك يبدو واضحا في البيان الذي أصدره التكتل الديمقراطي الاجتماعي بالبرلمان الأوروبي تعليقا على المشروع حين قال: "أرسل البرلمان الأوروبي رسالة واضحة جدا إلى مصر بشأن تدهور حالة حقوق الإنسان: إن التدهور صارخ وواسع النطاق، ويثير الشك في العلاقة بين الاتحاد الأوروبي ومصر". و هو استشرافا لما يرمي اليه البعض.
نعلم و باعترافنا اننا نحتاج إلى إصلاح، ولكن هذا الإصلاح لن يكون أبدا بوصاية من احد، لأنه إن تم فسوف يكون صوري لا يهدف لإصلاح وضع المواطن والدولة ولكن لإخماد زوابع. و لذلك فأن الرد الأبلغ هو فتح قنوات الحوار الرامي إلى بناء تفاهمات و نبذ حوارات الطرشان التي لم تفلح قديما و لن تفلح الآن.