×
بوابة البرلمان

    رئيس التحرير أحمد الحضري

    الإثنين 1 ديسمبر 2025 04:33 مـ
    مقالات

    د .نزيه الحكيم يكتب : الدستور أولًا.. !

    بوابة البرلمان

    لم تعد الأزمة الانتخابية الراهنة مجرد خلاف على إجراءات تنظيمية أو مواعيد إدارية يمكن تجاوزها، بل تحوّلت إلى أزمة دستورية مكتملة الأركان تهدد مبدأ استقرار العملية الانتخابية وتضع المراكز القانونية للمرشحين والناخبين تحت وطأة ارتباك غير مسبوق في التجربة البرلمانية المصرية.

    الشرخ الذي أحدثته أحكام المحكمة الإدارية العليا في بعض الدوائر، وما يقابله من اختصاص دستوري حصري لمحكمة النقض في الفصل بصحة العضوية، خلق مشهدًا بالغ التعقيد لا يجوز التعامل معه بسطحية أو عجلة. فالمسألة لم تعد: هل ستُجرى الإعادة أم لا؟ بل أصبحت: هل يمكن إجراء الإعادة أصلًا في ظل احتمال أن تُسقط النقض نوابًا لم يدخلوا الإعادة؟

    أولًا: أزمة دستورية لا يمكن التهوين منها

    المادة 107 من الدستور واضحة وضوح الشمس:
    محكمة النقض هي صاحبة القول النهائي في صحة عضوية مجلس النواب، خلال مدة لا تتجاوز ستين يومًا.

    إذن ماذا يحدث لو أجرت الهيئة الوطنية للانتخابات جولة الإعادة، ثم أصدرت النقض بعد أسبوع أو اثنين حكمًا ببطلان عضوية نائب آخر في نفس الدائرة؟
    سنكون أمام ثلاث إرادات انتخابية متعارضة:
    • نائب فاز في الإعادة،
    • ونائب أسقطته النقض،
    • وثالث لم يدخل الإعادة أصلًا!

    هذا ليس خلافًا إجرائيًا… بل تناقض دستوري صارخ يؤدي إلى تفكيك وحدة الإرادة الشعبية.

    ثانيًا: وحدة الصوت الانتخابي… حجر الأساس في الطعن

    الصوت الانتخابي المصري يُدلى به في ورقة واحدة تجمع بين الفردي والقائمة.
    وبالتالي، فالإرادة الانتخابية وحدة غير قابلة للتجزئة.

    فحين يُبطِل القضاء شقًّا من عملية التصويت لأسباب جوهرية، فكيف يكون الشقّ الآخر صحيحًا؟
    كيف نفسد نصف الورقة ونتمسّك بسلامة نصفها الآخر؟

    هذا المنطق يهدم مبادئ العدالة الانتخابية من أساسها ويصطدم مع مبدأ تكافؤ الفرص.

    ثالثًا: نحن أمام بطلان وجوبي لا بطلانًا نسبيًا

    البعض يتعامل مع الأزمة وكأنها بطلان نسبي يقتصر على مقعد أو صندوق أو لجنة.
    لكننا في الحقيقة أمام بطلان وجوبي ممتد يمس:
    • سلامة تكوين البرلمان،
    • وحدة التصويت،
    • المراكز القانونية للمرشحين.

    فإعادة الإعادة بين مرشحين أحدهما قد تسقطه النقض أصلًا، تعني أننا ندير انتخابات غير مشروعة من لحظة الميلاد.

    رابعًا: البطلان بالعدوى… قاعدة قضائية مستقرة

    القضاء الإداري أرسى قاعدة ذهبية:
    إذا شاب الإجراء عيب جوهري، انتقل أثره إلى كل ما بُني عليه.

    وهذا هو جوهر “البطلان بالعدوى”.

    وبالتالي، فإذا بطل الفردي بعيب جوهري، لم يعد منطقيًا القول إن القائمة سليمة، لأن الإرادة الشعبية التي أثبتت في ورقة واحدة أصابها العيب ذاته.

    خامسًا: استقرار المراكز القانونية… الركن الغائب

    القانون وُجد لضمان الاستقرار لا لخلق فوضى دورية.
    وما يحدث اليوم ينذر بأن تتغير تركيبة مجلس النواب ثلاث مرات في عام واحد إذا تعارضت نتائج الإعادة مع أحكام النقض.

    من غير المقبول دستوريًا ولا سياسيًا أن يتم تغيير إرادة الناخبين بهذه السهولة.

    سادسًا: الحل الدستوري واضح… لكنه يحتاج إلى شجاعة

    إن الخروج من هذه الأزمة لا يحتاج أفكارًا معقدة، بل يحتاج احترامًا لتسلسل الشرعية:
    1. تجميد جولة الإعادة فورًا في الدوائر المبطل نتائجها.
    2. إحالة كل الملفات إلى محكمة النقض باعتبارها صاحبة الولاية الدستورية.
    3. انتظار حكم النقض خلال الستين يومًا الملزمة.
    4. إعادة ترتيب المشهد الانتخابي بعد أحكام النقض، لا قبلها.
    5. إعادة فتح باب الترشح إذا اقتضت أحكام النقض ذلك.
    6. البدء في مراجعة تشريعية جادة لمسار العملية الانتخابية.

    ختامًا

    ما نشهده اليوم ليس مجرد أزمة انتخابية… بل امتحان لمدى احترام الدولة لدستورها.
    ولا يمكن الخروج من هذا المأزق إلا بالاحتكام لسلّم الشرعية، وتقديم الدستور على أي حسابات أخرى.

    فالديمقراطية ليست صناديق فقط…
    الديمقراطية بدايةً ونهايةً هي احترام القانون

    مواقيت الصلاة

    الإثنين 04:33 مـ
    10 جمادى آخر 1447 هـ 01 ديسمبر 2025 م
    مصر
    الفجر 05:02
    الشروق 06:33
    الظهر 11:44
    العصر 14:36
    المغرب 16:55
    العشاء 18:17