محمد فؤاد يكتب ..دولة مدنية ديمقراطية حديثة !


طالِعت تصريحات رئيس مجلس الوزراء بشأن وجود توجيهات رئاسية بالتحول نحو دولة مدنية ديمقراطية حديثة، والتي أدلى بها خلال احتفالية اليوم العالمي لمكافحة الفساد، ولكن هذه التصريحات استوقفتني متأملا لمضمونها المعنوي ومن قبله سياقها الزمني.
ولا أعلم في الحقيقة هل يمثل ما تفضل به رئيس الوزراء إشارة ضمنية إلى أننا في مصر دولة غير مدنية وليست ديمقراطية، أو على الأقل منفي عنها إحدى الصفتين، حتى نأخذ قرار التحول إليهما.
وفي الأصل، هل التحول إلى دولة مدنية ديمقراطية حديثة، يتم من خلال التوجيهات أو بضغطة زرّ مثلما بدا من تصريحات رئيس الحكومة!، أو مثلا يمكن القيام به وتحديد محاوره خلال اجتماع أو أكثر أم أنه يتطلب منظومة وثقافة لا بد أن تقترن بمواقف حقيقة على أرض الواقع.
لم يصب دولة رئيس الحكومة في نظري، إلا في اختيار مكان ادلاءه بمثل هذه التصريحات وهو مؤتمر مكافحة الفساد، خاصة وأنه لا خلاف حول الربط بين الفساد والأنظمة غير الديمقراطية أو حتى غير المدنية، بل على العكس صفة الفساد تكاد تكون مكملة لهذه الأنظمة.
دعنا من هذا وتأمل معي توقيت هذه التصريحات التي تزامنت مع اتهامات تزوير واضح في انتخابات مجلس النواب في دوائر عدة، أو حتى وسط خلاف حول نزاهة العملية الانتخابية ووجود فساد فج في إدارتها بالشكل الذي أنتج يقين شعبي من تغيير إرادة الناخبين.
فما حدث في دائرتي بالعمرانية والطالبية وما يبدو أنه حدث في كفر الشيخ عند النائب الزميل أحمد طنطاوي، وفي الكثير من دوائر محافظة الجيزة تحديدا، من شبهات تزوير واضح لإرادة الناخبين لدعم مرشحين موالين لأجهزة الدولة وحزبها، وللأسف رغم الإشراف القضائي على الانتخابات، لا يمكن أن يكون مقبولا في دولة تسعى لأن تكون ديمقراطية.
فرغم فداحة الحدث وصداه الشعبي وعشرات الطعون في المحاكم، نجد حالة متعمدة من تجاهل تناوله أو الرد عليه بالتفنيد سواء من الجهات المعنية بذلك أو حتى الإعلام الذي أصبح هو الآخر تابع بشكل أو بآخر.
اللهم إلا تناول غير مكتمل من صديقي الدكتور محمد الباز، خلال برنامجه على قناة النهار، رغم أن الأمر سهل للغاية وكان يمكن استضافة من يدعي وجود تزوير والإطلاع على مستنداته وتفنديها إن أردنا تأكيد نزاهة الانتخابات و ازالة اليقين الشعبي بتدليسها .
الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة يا سيادة رئيس الحكومة، لا يمكن أن تُبنى في ظل اتهامات واسعة بتزوير استحقاق انتخابي لاختيار ممثلي الشعب، أو تعتيم متعمد على هذه الكارثة التي سوف نعاني تبعتها لأعوام كثيرة.
قد تكون الدولة تبني طرق كثيرة وتشهد عملية تنمية عمرانية مهولة ومقدرة بالطبع، إلا أن ما تم خلال انتخابات مجلس نواب 2020، قطع طريق الديمقراطية والمدنية الذي بدأنا فيه منذ سنوات قليلة، وتحملها في سبيل اتمامه الكثير والكثير.
ما تم واتضح جليا للعامة من وجود تزوير في نتائج الانتخابات، اعادنا إلى دولة المماليك التي تحدثت عنها سابقا والتي يتلخص مضمونها في أن نواب الشعب ليسوا من اختياره وبالتالي ولائهم لن يكون أبدا له، بالتتاقض تماما مع أبسط مفاهيم الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة.
تحدثت وغيري كثيرا عن فضيلة الإصلاح السياسي وحتميته لتكوين هذه الدولة الديمقراطية، لكن لم نشهد منه شيئا إلا مجرد وعود لا التزام بها، أو تصريحات مشابهة لما تفضل به السيد رئيس الوزراء لا صدى واقعي لمضمونها، بل على العكس تماما تضاد واضح معها.