اللواء عبد الحميد خيرت يكتب :رسالة شوق وحنين وعرفان بالجميل .
لاحظت في الأيام القليلة الماضية تداول شريط فيديو من عميل ، يعيش في أمريكا ، مفصول من جهاز مباحث أمن الدولة السابق ، برتبة نقيب تقريبًا لسوء السلوك ، يتطاول فيه على عمل الجهاز قبل حله في 2011 .
لم أعتد الرد على عملاء أو خونة عند تطاولهم على الوطن أو مؤسسات الدولة أو رموزها .
لكن وجدت نفسي أمسك بقلمي وأكتب هذه الكلمات
يظل اسم مباحث أمن الدولة راسخًا في الذاكرة الوطنية، مهما تغيّرت الأسماء أو اللافتات.
فهو ليس مجرد جهاز أمني في تاريخ مصر الحديث، بل مؤسسة حملت على عاتقها مسؤولية حماية الدولة وصون أمنها القومي، وكانت دائمًا العين الساهرة على الوطن، وصمام الأمان ضد الإرهاب والتطرف والتآمر الخارجي.
لم يكن اسم “أمن الدولة” تسميةً إدارية عابرة، بل رمزًا لهيبة الدولة المصرية ذاتها.
فالكلمة كانت تختزل مفهومًا شاملًا للأمن الوطني بمستوياته كافة، وتعكس دورًا يتجاوز حدود الأمن الجنائي إلى حماية الكيان السياسي والاجتماعي للدولة.
ولهذا، ظل الاسم حاضرًا في وجدان المصريين رغم تغير المسميات، لأنه ارتبط لديهم بالانضباط والكفاءة والهيبة التي مثّلت ركيزة أساسية في منظومة الأمن الوطني.
عقب أحداث يناير 2011، جاء استهداف جهاز مباحث أمن الدولة على رأس أولويات جماعة الإخوان ، بتوجيهات ودعم خارجي ، إدراكًا منهم لخطورة دوره في حماية بنية الدولة وكشف مخططات التنظيمات المتطرفة.
فقد كان الجهاز يمتلك من المعلومات والخبرة ما مكّنه من اختراق تلك التنظيمات ورصد تحركاتها، وهو ما جعل تفكيكه وتغيير اسمه هدفًا مباشرًا في محاولة لتجريد الدولة من أحد أهم أدواتها الأمنية.
وشهدت تلك المرحلة عملية تجريف واسعة لكوادر الجهاز، واستبعاد ضباط النشاط المعنيين بملفات التطرف الديني، ما فتح الباب أمام فراغ أمني خطير استغلته الجماعات المتشددة لتوسيع نفوذها.
لم تمضِ سنوات طويلة حتى تبيّن حجم الخطر الذي ترتب على غياب هذا الجهاز.
فعادت الجماعات الإرهابية إلى الساحة، وارتفعت وتيرة العمليات العدائية، وكادت الدولة تدفع ثمن هذا الفراغ باهظًا من دماء أبنائها.
وحينها أدرك الرأي العام أن أمن الدولة لم يكن أداة قمع كما حاول البعض تصويره، بل أحد ركائز الأمن القومي المصري الذي يحمي المجتمع والدولة من السقوط في فوضى التنظيمات المتطرفة.
لم يكن ضباط مباحث أمن الدولة موظفين عاديين، بل رجال دولة بالمعنى الحقيقي للكلمة.
عملوا في صمت، وتحملوا مسؤوليات جسيمة بعيدًا عن الأضواء، وواجهوا أخطر التنظيمات والمؤامرات، واضعين أمن الوطن فوق كل اعتبار.
كثيرون منهم قدّموا أرواحهم فداءً لمصر، وآخرون أمضوا حياتهم في خدمة وطنهم دون انتظار تقدير أو شهرة.
التاريخ أثبت أن قوة الدول لا تُقاس فقط بما تملكه من سلاح، بل بما تمتلكه من أجهزة أمنية يقظة، قادرة على استباق الخطر ومواجهته بعقل واحترافية.
قد تتبدل الأسماء وتتغير الإدارات، لكن اسم مباحث أمن الدولة سيظل محفورًا في ذاكرة الوطن، لأنه ارتبط بفكرة الأمن الوطني ذاته.
هو ليس مجرد عنوان لمؤسسة، بل رمز لمرحلة من العمل الجاد والمسؤولية الوطنية التي حافظت على استقرار الدولة المصرية لعقود طويلة.
وستبقى الحقيقة ثابتة: أن حماية الوطن كانت وستظل الرسالة الأسمى لرجال هذا الجهاز العريق











