د.هشام ماجد يكتب..”الرسالة التدمرية”
بوابة البرلمان
.
إذا كان الإهمال يقتل الحب، والنسيان يدفنه ، فأحيانا يكون الحب قاتل ومدمر فهناك حالات كثيرة قتلها الحب، أضاعها، وتركها فريسة للفشل نماذج عديدة لأمهات أو أباء أضعن أبناءهن بالحب والاعتمادية ، بالإفراط في الاهتمام والمبالغة في إظهار العطف والحنان، الأم المتسلطة تضيع مستقبل أبنائها، تمتلكهم كما لو كانوا تماثيل منذورة للفرجة والعبث، مجرد دمى تحركها، وكذلك الأم المنكسرة تصدر مشاعرها السلبية لأطفالها، والحقيقة أن تدميرية الحب أكثر فتكا من تدميرية الكراهية، فالأخيرة طاقة واضحة ترى بالعين المجردة، ولكن الأولى قوى شفافة لا يقام لخطورتها وزن وتتعدد نماذج المرأة التي تفشل في حياتها الزوجية، إما بالانفصال والطلاق الفعلي، وإما بالطلاق النفسي، وهو حالة انفصال الزوجين في ما بينهما مع اتفاقهما على استمرار العلاقة شكليا وبشكل ظاهري فقط حفاظا على مستقبل الأولاد أو خضوعا لضغط مجتمعي وأولئك النسوة مخذولات في الشريك ، ومهما كانت أسباب الانفصال فالمرأة بحكم مشاعرها تتألم أكثر من الرجل، وبالطبع تخشى تكرار هذا الفشل وتتمسك بأبنائها بصورة مرضية ومزعجة، ترفض إرتباطهم، إما خوفا عليهم من تكرار سيناريوهات الفشل، وما يتبعه من حزن وألم، أو خوفا عليهم من البعد عنها، ضياعهم من يديها في ما يشبه حب الامتلاك ومازال الإبداع في الأدب والفن هم مرآة الواقع يعكسان ما يحدث من تداخلات في النفس البشرية، ويبينان مدى التشابك والتعقيد فيها يسعيان لفك شفرة النفس البشرية وتحليل ما وراء الكلمات والتصرفات، والأفعال، ولعل رواية السراب لنجيب محفوظ، تقدم ضوءا معكوسا في هذا، بصورة الأم الحريصة على ابتلاع شخصية ابنها في شخصيتها فلا يبين له أثر، حتى أنه ينام ليله في سريرها، لا ينفصل عنها، لم يتعلم كي لا تخرجه من دفء حضنها ، نموذج المرأة المتسلطة على أبنائها بدافع الحب والرغبة في تجنيبهم الوقوع في فخاخ التجارب الفاشلة، يكثر حولنا بشدة مثل من يتخطى الأربعين من عمره، ما زال يبحث عن عروس، يتقدم خطوات واسعة نحو الزواج وما إن يقترب موعد الزفاف حتى يتهرب ويبعد وكأنه فتاة تخشى من تحمل المسؤولية ، أكثر من مرة يخطو تلك الخطوة التي كنا نعتقدها جريئة في بداية الأمر، نحو تكوين بيت وأسرة، ثم يتراجع، أصبح مثار جدل، لا يثق في قدرته على تكوين بيت، ظل ولسنوات قريبة مضت في معية أمه، تعامله كطفل، تختار له حتى ملابسه وألوانها ، وحتى اختيارات مشاهدة أفلام السينما أو المسلسلات هي من تقرر كل شيء، تخشى عليه من الفشل، من تكرار تجربتها في الزواج والإنجاب والطلاق ، امرأة تعدّ عمرها كله بهذه السنوات قبل الطلاق وترهن حياة ابنها بهذه السنوات ، تمارس القمع المتخفي تحت جلد المشاعر الأمومية الطيبة فأما الوقوف محلك سر لابنها أو أن يجد نفسه يدخل في سلوك خطأ للنسيان للواقع فيقع فريسه إدمان المخدرات بسبب تلك الاعتمادية الكامله علي الأم والحماية الزائدة وتحولت الرسالة السامية الي رسالة تدمرية لذلك عزيزي القارئ... "لا تبالغ في الحب لكي لا تندم"